على مر القرون، حكم سكنة كيش العديد من الممالك والسلالات المختلفة. وخلال الفترة الساسانية (226-651 م)، بنى بعض سكانها سبع فلل أو قصور كبيرة، مزينة بشكل غني بلوحات من الجص. وتم اكتشاف هذه المباني المذهلة من قبل بعثة اكسفورد ومتحف فيلد بين عامي 1931 و 1933، خلال مواسمها الثلاثة الأخيرة في كيش. وكانت تقع على التلال G و H، إلى الشرق من تل انغارا، على الرغم من وجود بقايا قليلة منها في الموقع اليوم (الشكل 1).
[/kish/images/sass-fig1-large.png]1. خارطة التلال G و H، توضح موقع الفلل الساسانية. المصدر: الهيئة العامة للآثار والتراث، مايو 2024
تم اكتشاف القصور الثلاثة الأولى في الموسم التاسع من بعثة أكسفورد. وبدت رائعة بهندستها المعمارية وزخرفتها الجصية. واحتوى أول قصر تم اكتشافه، في أقصى الطرف الغربي من التل، على بركتين صغيرتين للزينة. وعلى بعد 40 مترا فقط، كان القصر الثاني يحتوي أيضا على بركتين صغيرتين، وربما كان جزءا من نفس المجمع (Kawami 2023: 117).
كانت هذه الاكتشافات رائعة للغاية لدرجة أن أخبار لندن المصورة نشرت مقالة من صفحتين مع الصور، بناء على مقابلة أجراها لانغدون مع صحيفة التلغراف اليومية البريطانية (Lerner 2016: 197; Kawami 2023: 126) (Figure 2).
[/kish/images/sass-fig2-large.png]2. مقال بعنوان "زخرفيات كيش الجصية" الصفحة الكاملة كما نشرت في أخبار لندن المصورة، 14 فبراير 1931 (انقر أو اضغط لرؤية الصورة الكاملة) .
ي المقابل، جذبت هذه المقالة انتباه مؤرخ الفن آرثر أبهام بوب، وهو خبير في الفن الفارسي أسس المعهد الأمريكي للفن الفارسي وعلم الآثار في نيويورك عام 1928. كان بوب يدرس الجص المماثل ويعتقد أن تلك الموجودة في كيش تمثل تطورا كبيرا في الزخرفة الإسلامية (Lerner 2016: 197). ولم يكن لانغدون مهتما بفترة ما بعد الكتابة المسمارية هذه، وكان تمويل بعثة أكسفورد قد بدأ ينفذ. لذلك قدم عرضا لبوب يمنح بموجبه المعهد الأمريكي حقوق التنقيب في التل H مقابل التمويل ويظل موظفو البعثة جزءا من عمليات التنقيب، لكن المتخصصين مثل بوب وديفيد تالبوت رايس ينضمون إلى الفريق (Lerner 2016: 196-7).
كان أمناء المعهد الأمريكي مترددين في جمع الأموال لهذا المشروع، لأن أساليب واتلين القديمه في التنقيب لم تعجبهم. لكن بوب تمكن من تجنيد فاعلة الخير بيتي فليشمان هولمز (1871-1941) لتمويل حفريات 1932-1933. وكانت هذه آخر مواسم بعثة أكسفورد في كيش.
كانت الاكتشافات التي جذبت كل هذا الاهتمام لأول مرة هي المساكن الثلاثة التي تم اكتشافها في عام 1931 على تل H. وقامت بعثة أكسفورد بحفر بعض الخنادق على هذا التل في السنوات السابقة، لكن الاستكشاف الكامل بدأ من نهاية عام 1930. بوحلول مارس 1933، اكتشفت سبعة قصور أو فلل، جميعها مزينة بألواح من الجص، والعديد منها مجزأة (Gibson 1972: 77).
لهذه الزخرفيات الجصية العديد من التصاميم المختلفة. بعضها هندسي، على سبيل المثال، مثل وريدات دائرية، بينما يمثل البعض الآخر الزهور أو الفاكهة، مثل زهور التوليب والعنب والرمان (الشكل 2).
وتجسد لوحات أخرى بشرا. كان القصر رقم 2 مفاجئا بشكل خاص في هذا الصدد. ففي الفناء المربع لهذا المبنى، تم العثور على اثني عشر تمثالا نصفيا للذكور بالحجم الطبيعي في ملابس ملكية مثبتة على الجدران، بين 14 نصف عمود (Kawami 2023:118; Moorey 1978: 135) (الشكل 3).
بعض اللوحات الجصية تمثل النساء، وربما كانت تشير إلى مدخل الشقق النسائية (Moorey 1978: 126) (الشكل 4).
وعلى الرغم من أن اللوحات والشظايا المكتشفة لم تعد تظهر أي لون، إلا أن الباحثين اللاحقين رصدوا أصباغا من ألوان الأصفر والأحمر والأزرق (الشكل 2).
وعلى الرغم من أن اللوحات والشظايا المكتشفة لم تعد تظهر أي لون، إلا أن الباحثين اللاحقين رصدوا أصباغا من ألوان الأصفر والأحمر والأزرق (Kawami 2023:192). ولسوء الحظ، كانت سجلات واتلين غير مكتملة، لذلك من المستحيل استعادة المخطط الأصلي وموقع الزخارف.
وقد تم إرسال معظم اللوحات الجصية إلى متحف فيلد في شيكاغو، حيث تم عرض عدد قليل منها بجوار النسخ التي تم معالجتها لتبدو قديمة (Kawami 2023:117).وذهب بعض منها إلى المتحف الوطني العراقي في بغداد، فيما أرسلت لوحة واحدة إلى متحف أشموليان في أكسفورد (K. 1436, fig. 7.6a, Kawami 2023:117).
وجد واتلين وفريقه العديد من الأشياء الأخرى في القصور، بما في ذلك العديد من أوعية التعاويذ (Moorey 1978: 122). وجد واتلين وفريقه العديد من الأشياء الأخرى في القصور، بما في ذلك العديد من أوعية التعاويذ (Moorey 1978: 122-4; Hunter 2021). ولسوء الحظ، لم يتم نشر أوعية التعاويذ من كيش في طبعة حديثة. كما تم اكتشاف لفيفة رصاصية رائعة في القصر 7، تحت عتبة إحدى الغرف. ومن المحتمل أيضا أنها تحتوي على نقش واقي ولكن تم لفها بإحكام بحيث لا يمكن قراءتها الآن. وتوجد اللفيفة اليوم في متحف أشموليان في أكسفورد (Ashmolean AN 1933.1285 [https://www.ashmolean.org/collections-online#/item/ash-object-464533]) (Moorey 1978: 141).
كما تم اكتشاف العديد من شظايا الأواني الزجاجية والفخار المزجج باللون الأزرق وتماثيل التراكوتا (الصلصال) في هذه القصور (Pope 1935: 20). وأظهرت الاختبارات التي أجريت على بعض شظايا الزجاج أن من المحتمل أن تكون صنعت من الرمل ورماد نبات الصودا(Dussubieux 2023: 52). في القصر رقم 7، لا يزال كنز من العملات البرونزية، العديد منها متآكلا بحيث لا يمكن قراءته. وعلى الرغم من حالة العملات، أفاد لانغدون أنه يمكن التعرف على "161" منها على أنها عملات برونزية رومانية من القرنين الرابع والخامس الميلادي (Langdon and Harden 1934: 123; Moorey 1978: 141).
اليوم، لا يمكننا تحديد من عاش في هذه القصور بالضبط، لكن المؤرخة ترودي كاوامي جادلت بأن هذه المنازل ربما تكون قد بنيت من قبل النخبة الاخميدية الناطقة باللغة العربية، التي حكمت مملكة مستقلة تتمركز في الحيرة، على بعد 70 كم جنوب كيش في أواخر العصر الساساني وأوائل العصر الإسلامي. وربما قاموا ببناء هذه القصور كملاذات خصبة على ضفاف الفرات، بعيدا عن المدينة، حيث يمكن للعائلات والأصدقاء الهروب من حرارة الصيف الشديدة، والتمتع بالحدائق والباحات مع حمامات السباحة.
وعلى الرغم من أن القصور لم تتم دراستها بالكامل بعد، إلا أنها أثرت معرفتنا بشكل كبير بتاريخ الفترة الساسانية في العراق وثقافتها المادية (Kawami 2023:124). جص من كيش فريد من نوعه في تاريخ الفن ومثل معظم الاكتشافات من الموقع، فإنها تظهر مدى أهمية كيش لتاريخ العراق والمنطقة.
31 Oct 2025
نادية أث سعيد-غانم
نادية أث سعيد-غانم, 'الفلل أو القصور الساسانية (التلال G-H)', مدينة كيش المنسية, مشروع مدينة كيش المنسية, 2025 [http://oracc.org//tilal-kish/tell-ingharra/alfilal-alsasania/]