كيش.. مكانتها وتاريخها

[/kish/fieldmus/images/MAP1-large.jpg]

خارطة لبلاد ما بين النهرين. من متحف المعهد الشرقي.

إن موقع كيش الأثري (32ْ° 30" شٍمال، 44ْ° 35 شرق) يقع على السهل الفيضاني لنهر الفرات في العراق اٍلحديث، ويبعد 12 كيلومترا إلى الشرق من بابل وثمانين كيلومترا إلى الجنوب من بغداد.

يتضمن الموقع أكثر من أربعين تلة موزعة على منطقة تبلغ مساحتها 25 كيلومترا مربعا. وقد قسم المسار القديم لنهر الفرات (بوراتا) المنطقة إلى جزأين شرقي وغربي .ويحيط بالمجمع الشرقي (الذي عرف قديما باسم هارساغكالاما) سلسلة من التلال عرفت باسم إنغارا، فيما بقيت زكورة أحيمر (هيكل هرمي الشكل مؤلف من عدة طوابق) هي ما تبقى من شواهد على المدينة.

[/kish/fieldmus/images/MAP2-large.jpg]

خارطة لكيش وهارسغكلاما. عن ماكاي, 1931:2, frontispiece.

لقد منحت الجغرافيا لكيش الكثير، فموقعها على ضفاف نهر الفرات- وهو الشريان الرئيسي للحياة في المنطقة- والتقاء الطرق الرئيسية الكبرى عندها، منحا سكانها الأوائل مزايا عديدة.واستناداً إلى قائمة ملوك سومر فقد كانت كيش المكان الأول الذي احتضن الملوك بعد طوفان نوح العظيم. ويدرك علماء الآثار الآن أهمية الموقع كواحدة من أقدم مدن العالم الحقيقية، وأولى القوى الإقليمية المسيطرة.

[/kish/fieldmus/images/KPH-large.jpg]

تعود الألواح التي تم العثور عليها في جمدت نصر إلى مرحلة مبكرة من تطور الخط المسماري لبلاد ما بين النهرين ويصعب ترجمتها. ويبدو أن هذا اللوح هو عملية جرد، لمدة تصل الى عام ربما، لسلع متنوعة تم تخزينها أو توزيعها في مختلف أنواع الأواني. ويوجد في الزاوية اليمنى السفلية من اللوح رسم تخطيطي لعملية "تناول الطعام" ، الذي يجمع بين وعاء ومقطع جانبي لرأس انسان. وفي الجزء العلوي من النص نفسه رمز لما يعتقد أنه اسم المدينة القديمة التي تعرف أنقاضها الآن باسم جمدت نصر.
جمدة نصر. طوب. عصور جمدة نصر. متحف الأشموليان 1926.564

في مطلع الألفية الثالثة قبل الميلاد تكوّن المشهد الاجتماعي والسياسي في جنوب العراق بوجود عددٍ من المدن الصغيرة المتنافسة التي مثلت كل واحدة منها رغم صغر حجمها دولة مستقلة. وحكم هذه المدن ملوك محليون صغار هم في الأساس قادة حرب عملوا على تثبيت دعائم حكمهم لهذه المدن بمساحات من الأراضي الزراعية المروية بأقنية رئيسية متفرعة من نهري دجلة أو الفرات. وكان لهؤلاء الملوك القدرة على تعبئة الناس كجنود عند نشوب أي صراع مع دول الجوار. بالإضافة لعلاقاتهم الوطيدة بالمؤسسة الدينية. في هذه البيئة العنيدة ومحتدمة الصراع بزغت كيش، تلك "المدينة – الدولة" ذات النفوذ الأقوى بالمنطقة في مطلع الألفية الثالثة قبل الميلاد، وهي الحقبة التي عُـرفت بالسلالات الحاكمة القديمة. تمكنت كيش في آخر الأمر من بسط نفوذها ليس على أطرافها المباشرة فحسب بل على أراضي سومر وأكاد، لتكون بذلك أول مثال لظهور الهيمنة الإقليمية في بلاد ما بين النهرين.

كما شهدت التماثيل والألواح القديمة التي عُـثر عليها أثناء عمليات التنقيب على وجود إدارات حكومية كاملة التطور والنضوج مع نهاية الربع الأخير للقرن الرابع قبل الميلاد. خلال مائتي أو ثلاثمائة سنة شهدت المنطقة نمواً للاستيطان البشري المنظم، مما مكّن حكام المنطقة من أن يجعلوا من أنفسهم شخصيات سياسية رئيسية.

[/kish/fieldmus/images/KPH2-large.jpg]

على هذا الطوب ، يظهر احتفال الملك آداد-آبلا-ايدينا بذكرى إعادة بنائه ايه-مه-ته-اور-ساغ ، الحرم المقدس للإله زابابا في كيش. كان زابابا إله حرب ، يوصف أحيانا بأنه "حاد القرون" ، وكان رمزه صولجان أو عصا برأس طائر.
غرب كيش، أحيمر، الربوة Z، الزكورة. طوب مشوي. عصر إيسين الثاني. متحف فيلد 156011

إن تفسير تصاعد نجم مدينة كيش يكمن في تقاطع والتقاء عاملين هما الدين والجغرافيا. إذ كان يفصل بين نهري دجلة والفرات ثلاثين أو أربعين ميلا عند موقع كيشً مما يعطي أي سلطة أو دولة تحكم كيش السيطرة على النهرين معاً، وبالتالي التحكم بري الأراضي والحقول باتجاه مجاري النهرين، وأيضا فإن النهرين كانا أفضل وسيلة لتحريك ونقل الجنود صعوداً ونزولاً على النهر. وكذلك فإن قائمة ملوك سومر التي تتعرض للمدن والأفراد الذين كانوا مكلفين من قبل الآلهة بحكم بلاد ما بين النهرين، جعلت من كيش أول مكان احتضن الملكية الأولى بعد طوفان نوح العظيم. نبعت أهمية كيش خلال فترة حكم السلالة الأولى من أنها مهدت وهيئت الأجواء لوضع أسس وتطوير حكم الممالك التي ورثت كيش في بلاد ما بين النهرين مثل: أكاد وبابل وسيلوسيا وكتيسيفون وبغداد.

[/kish/fieldmus/images/KPH3-large.jpg]

حافظت جدران الطوب اللبني للمعبد البابلي الحديث في إنغارا على ارتفاعها بشكل مدهش ، كما يتضح من هذه الصورة. وقد قامت بعثة كيش بتنقيب نحو 40 غرفة من هذا الهيكل ، لكنها لم تجد شيئا يدل على اسم الملك الذي بناه أو الإله الذي تم تخصيصه له.
شرق كيش، انغارا، المعبد البالي الحديث. 1926-28 موسم. نيغاتيف 59603.

وبينما كانت السلطة التنظيمية الحقيقية لمدينة كيش تتضاءل خلال الفترة الأكادية، عندما اضطر الملك نارام سن إلى اخماد تمرد ( سي. أيه 2250 قبل الميلاد)، فرغم هذا التضاؤل إلا أن بريق لقب "ملك كيش" ظل سببا لإغراء الكثير من الملوك المجاورين بمحاولة انتزاع كيش للحصول على عرش ملكها والتنادي بهذا اللقب الذي يشبه كما أسلفنا لقب الامبراطور الروماني المقدس في القرون الوسطى.

[/kish/fieldmus/images/KPH4-large.jpg]

تظهر هذه الصورة مخيم كيش الاستكشافي ، حيث يصطف العمال على اليسار لتلقي أموالا من شخص ما (ربما المدير الميداني ، إرنيست ماكاي) الذي يجلس على طاولة على اليمين. وهم يتلقون إما أجورهم أو ماسمي بالبخشيش – او مبالغ إضافية مقابل الآثار التي اكتشفوها أثناء الحفريات.
غرب كيش، الربوة K، مع الربوة Z في خلفية الصورة. 1924-25 موسم. نيغاتيف أكسفورد 426

وبرغم قوة المؤسسة الملكية في كيش فإن حظ مدينة كيش كان يتأرجح بين تعاظم قوتها وانحسارها وتضاؤلها خلال السنوات التالية: خلال العهد الأكادي (2330-2150 قبل الميلاد) انحدرت قوة كيش كمركز ثقل سياسي وتحولت لصالح أكاد. هذا الارتداد استمر في زمن بابل القديمة (2000-1600 قبل الميلاد).وبرغم أن كيش نهضت من كبوتها واستعادت أهميتها لاحقاً إبان القرون الأولى من الحقبة الساسانية إلا أن الفترات التي تعرضت فيها كيش للاحتلال امتدت آلاف السنين، كما دلت اللقى التي عُثر عليها في الحفريات وكانت تتضمن صناعات وإبداعات إنسانية من عهد جمدة نصر مروراً بالحقبة الساسانية (3200 قبل الميلاد - القرن السابع بعد الميلاد). كما تم العثور في الحفريات على خزف يعود للقرون الوسطى (أواخر القرن العاشر إلى مطلع القرن الرابع عشر بعد الميلاد)، لقد كانت هذه اللقى بمثابة مفاتيح جيولوجية لفهم تاريخ بلاد ما بين النهرين.

متحف فيلد

متحف فيلد, 'كيش.. مكانتها وتاريخها', مشروع قاعدة بيانات كيش التابع لمتحف فيلد، 2004-2009, متحف فيلد, 2025 [http://oracc.org/kish/mathaffield/kish-mhm/khalfiat-almawqie/]

 
العودة إلى الأعلى
 
CC0 (البيانات الوصفية) CC BY-NC (الوسائط المتعددة), متحف فيلد, 2004-2025
http://oracc.org/kish/mathaffield/kish-mhm/khalfiat-almawqie/