في أواخر عام 1911، منحت الحكومة العثمانية تصريحا لمدة عامين للتنقيب في كيش إلى Henri de Genouillac هنري دو جنوياك (1881-1940) (انظر فهرس الأسماء)، الذي كان حتى ذلك الحين عالم آشوريات يعمل في المتحف ليس الا وليس لديه خبرة في العمل الميداني الا انه يحظى بتمويل فرنسي رسمي ودعم دبلوماسي (صورة 1) (Chevalier 2002: 510). ترأس جنوياك فريقا مكونا من 80-180 عاملا محليا يعملون لمدة ثماني ساعات ونصف في اليوم، ستة أيام في الأسبوع (صورة 2)، وقد وجههم إلى البحث عن الألواح والمصنوعات اليدوية الأخرى أينما بدت الحفريات واعدة، جاهلا أو متجاهلا بذاك أساليب التنقيب والتوثيق الأكثر منهجية التي كان فريق الاستكشافات الألماني يستخدمها لأكثر من عقد من الزمان في بابل القريبة. وقد بدأت الحفريات بالزقورة في الأحيمر، حيث كان بعض الرجال المحليون بدأوا بالتنقيب بشكل غير رسمي. كما أرسل جنوياك فرقا إلى التلال الواقعة أقصى الشرق، بما في ذلك تل بندر وتل إنغارا (Moorey 1978: 11–13).
[/kish/images/genouillac-large.jpg]1. هنري دو جنوياك أغسطس 1929 (المصور غير معروف) المصدر: موقع ريديت. المصدر: Reddit [https://www.reddit.com/r/Assyriology/comments/mazdlv/old_photo_of_archaeologist_henri_de_genouillac/#lightbox]
وقد أثارت الحملة جدلا واسعا بعد أسابيع قليلة فقط من العمل، في فبراير 1912، عندما اعترض المسؤول العثماني الرسمي، بدري بك (انظر فهرس الأسماء)، الذي عمل أيضا مع الألمان في بابل، على قيام جنوياك برفع العلم الفرنسي فوق خيمته في الموقع (صورة 3) (Genouillac 1924–25: I, 16). وتصاعد النزاع ليصل إلى فضيحة كاملة عندما أقدم جنوياك على الاعتداء ضربا بسوطه على مندوب حكومي، مقتنعا بأن الألمان والعثمانيين كانوا يتآمرون ضده. ولم يستغرب أحد عندما سحب رئيس بلدية بغداد تصريح التنقيب من جنوياك على الفور، كما ولم تدعم السلطات الفرنسية مناشدات جنوياك بإعادته لمنصبه (Chevalier 2002: 97–99). ولغاية يناير 1919 لم تذكر مراجعة فرنسية احتمال العودة لكيش ضمن المواقع الأثرية المحتملة في الأراضي العثمانية السابقة (Chevalier 2002: 234–235, 272 n162).
[/kish/images/kish-staff-1912-large.png]2: فريق العمال الميدانيون في بعثة جنوياك في كيش أوائل 1912. المصدر Genouillac, PRAK I, pl. I/1.
أسفرت عملية البحث عن الكنز التي استمرت ثلاثة أشهر عن اكتشاف نحو 1400 لوح مسماري و 325 قطعة أثرية أخرى ، قام جنوياك "بتعبئتها في 11 حاوية" لإرسالها إلى المتحف الإمبراطوري العثماني في اسطنبول (Genouillac 1924–25: I, 19–20; Charpin 2022: 7.17–18). ومن أجل التحايل على الحظر الصريح الذي يفرضه تصريح التنقيب على تصدير الاكتشافات الأثرية، اشترى أيضا مايقرب من 150 لوحا مسماريا و 200 قطعة أخرى لمتحف اللوفر. وقد أشار تاجر الآثار ألكسندر مسيح (انظر فهرس الأسماء) مباشرة إلى محاولات جنوياك التهرب من تسليم المكتشفات الأثرية الى الجهات المسؤولة في رسالة مؤرخة في 15 مارس 1912، بعد شهرين من بدء التنقيب، حيث كتب "أنا أدرك جيدا أن بامكانك ( جنوياك) بسهولة اخفاء أي قطعة جيدة دون معرفته (هو) وأنك تفضل القيام بذلك" [1]. و "هو" الذي نوه اليه مسيح هو عبد الستار، المفوض العثماني المكلف بالبعثة. واشترى جنوياك أيضا قطعا لمجموعته الشخصية ، حاله في ذلك حال العديد من المستكشفين الغربيين الأخرين في عصره (Lecompte and Pariselle 2017: 106–107; Çelik 2016: 154).
[/kish/images/kish-excavation-1912-large.png]3. بناية أثرية مكتشفة أوائل 1912. الرجل الواقف في الوسط مرتديا طربوش قد يكون بدري بك أو زميل له في حكومة العراق العثمانية. المصدر Genouillac, PRAK I, pl. XIII/1.
وعلى الرغم من أن جنوياك تكتم في مذكراته على الظروف التي أحاطت بالتعاملات ،ولأسباب مفهومة، إلا أن الرسائل الموجودة تكشف عن قدر كبير من المعلومات حول مشترياته وتداول القطع الأثرية من كيش. وتوضح هذه الوثائق على وجه الخصوص كيف قام تجار الآثار ليس في تأمين قطع اثرية من كيش لجنوياك فحسب، بل وساعدوه في ادارته أعمال التنقيب. اذ تشير رسالة مسيح المؤرخة في 15 مارس ،1912 على سبيل المثال إلى أنه تولى مسؤولية دفع رواتب أعضاء فريق البعثة. وكانت أسر بعض عمال التنقيب من سكنة بغداد تستلم رواتب رجالها من مسيح مباشرة، على الأرجح بسبب بقاء الرجال في الموقع. كما تذكر هذه الرسالة عدة أسماء منها: بتروس سلمان الذي كان يتقاضى "2 جنيه إسترليني"، و"صالح وعماله" الذين تقاضوا "2 جنيه إسترليني" [2]. وبفضل التفاصيل التي أوردها جنوياك في تقرير التنقيب الخاص به، علمنا أن الأجور اختلفت مع اختلاف أنواع الوظائف والفئات العمرية، حيث كان قادة فريق التنقيب بتقاضون 5 قروش، و الحفارين 3 قروش، بينما يحصل الفتيان (من 13 إلى 15 عاما) على 2.5 قرش (Genouillac 1924–25: I, 30).
وفي مايو 1922، في وقت مبكر جدا من عملية التخطيط لبعثة الاستكشاف OFME، عرض ستيفن لانغدون (انظر فهرس الأسماء) ، على جنوياك منصبا في الفريق كعالم آشوريات. لكن الأخير شعر بالإهانة لأنه لم يرشح لمنصب المدير الميداني، وسرعان ما انتهت المحادثات (Genouillac 1924–25: I, 29 n2).
نشر دو جنوياك تقريره في عام 1924، بعد اثني عشر عاما من توقف الحفريات. وتمكن أخيرا، في ابريل 1924 من الوصول الى المتحف الامبراطوري العثماني حيث الصناديق الاحدى عشرة من الاكتشافات التي كان قد حزمها قبل أكثر من عقد من الزمان (Genouillac 1924–25: I, 19–20). يتألف التقرير الناتج المكون من مجلدين من تقرير سردي قصير للحفريات، بما في ذلك تفاصيل رائعة عن العمل بالإضافة الى عبارات جانبية غاضبة حول زملاء له غادرين، وخطط المهندس المعماري راؤول دروين (انظر فهرس الأسماء) للزقورة في االأحيمر، بالإضافة إلى كتالوج ورسومات خطية نفذت على عجل لأكثر من ألف من أكثر الألواح المسمارية اكتمالا التي وجدها عماله (Genouillac 1924–25). وقام دوجنوياك أيضا بتضمين بضع صفحات من مذكراته اليومية التي كتبها في كيش، والتي تضمنت أسماء بعض أعضاء فريقه مع الاكتشافات التي توصلوا إليها، والتاريخ. على سبيل المثال، بتروس الذي وجد "أيقونة دينية" في صباح يوم 3 فبراير، بينما عثر قائد الفريق علي الشمري وفريقه على لوح يحمل صورة "إله يمد يده اتجاه اليسار" في 7 فبراير (Genouillac 1924–25: II, 34). نحن مدينون لهؤلاء الأفراد والعديد من الآخرين الذين لم يكشف عن أسمائهم، للاكتشافات التي نعجب بها وندرسها اليوم.
16 Oct 2025
نادية آيت سعيد غانم & ألينور روبسون
نادية آيت سعيد غانم & ألينور روبسون, 'البعثة الفرنسية، ربيع 1912', مدينة كيش المنسية, مشروع مدينة كيش المنسية, 2025 [http://oracc.org//tarikh-kish/albaethat-alfaransia-1912/]