هذه نسخة معدلة بشكل طفيف من محاضرة ألقتها ألينور روبسون في المؤتمر العلمي الأول للهيئة العامة العراقية للآثار والتراث (SBAH) ، الذي عقد في جامعة الموصل في الفترة من 29 إلى 30 مايو/آيار 2024 (صورة 1). نحن ممتنون بشكل خاص للأستاذ علي شلغم وفريقه في الهيئة العامة للآثار لتنظيمهم هذا الحدث المهم، وللدكتور ليث حسين على ترؤسه الجلسة التي تم تقديم المحاضرة فيها.
سيتم نشر نسخة أطول وأكثر رصانة نظريا لهذه المحاضرة في السلسلة التي ستكون متاحة رقميا "عناصر كامبريدج في دراسات التراث النقدي"، باللغتين الإنجليزية والعربية ، في عام 2026.
[/kish/images/knowrep-fig1-large.jpg]1: شريحة لصفحة عنوان المحاضرة الأصلية حول إعادة المعرفة والتراث المكتوب للعراق القديم، التي قدمت في مايو/آيار 2024 في جامعة الموصل. انقر أو اضغط على الصورة لتكبيرها.
أود هنا أن أقدم مفهوم إعادة المعرفة إلى الوطن وأشرح كيف يرتبط بالتراث المكتوب للعراق القديم. وسأصف المشكلة التي يعالجها، باستخدام موقع كيش الأثري كدراسة حالة، وبعض العواقب طويلة المدى ، والتي غالبا ما تكون مستعصية على الحل لتلك المشكلة. وأخيرا، بصفتي غير عراقية، آمل أن تفتح هذه الأفكار حوارا حول كيفية تعاون الباحثين الدوليين ومؤسسات التراث، من خلال الهيئة العامة للآثار والتراث، ومن خلال الجامعات العراقية، لجعل إعادة المعرفة إلى الوطن ليس مجرد مفهوم بل ممارسة مفيدة وفعالة.
بلا شك ان كل عراقي على دراية بمفهوم وممارسة إعادة القطع الأثرية إلى الوطن. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، وبفضل الجهود الدؤوبة لمحامي الهيئة العامة العراقية للآثار أعيدت عدة آلاف من الألواح المسمارية، من بين أشياء أخرى، إلى العراق. وكان تم تهريب بعض منها من العراق، مثل Hobby Lobby مجموعة [https://en.wikipedia.org/wiki/Hobby_Lobby_smuggling_scandal]الشهيرة و تم أخذ البعض الآخر من البلاد على سبيل الإعارة الدراسية طويلة الأجل، مثل الألواح المسمارية من أور التي أعادها المتحف البريطاني الى العراق في عام 2023 [https://ane.hypotheses.org/11875]
في كل حالة تقريبا ، كان الناس يدرسون الألواح أثناء وجودها في مجموعات متاحف دولية، ويقومون بفهرستها وتحريرها ونشرها. ألا يجب أن تعود هذه المعرفة إلى العراق أيضا؟ لماذا يجب أن يتحمل العراقيون عبء إعادة العمل الذي تم إنجازه بالفعل
هذا ما أعنيه بإعادة المعرفة إلى الوطن. ولكن ما أهم أنواع المعرفة ؟ وكيف يجب إعادتها مع القطع الأثرية التي تعاد؟ في الواقع، من البديهي ان نتوصل الى ان إعادة المعرفة عن ماضي العراق، والالواح المسمارية وغيرها من القطع الأثرية، ليست ممكنا وحسب بل واجب، بشكل مستقل عما إذا كان من الممكن إعادة القطع من عدمه.
كان هناك مشروعان رئيسيان للتنقيب البريطاني منذ فترة طويلة الأمد في العراق خلال فترة الانتداب من عشرينيات القرن العشرين إلى أوائل الثلاثينيات. ولكن ف الوقت ذاته بالضبط ، أجرت جامعة أكسفورد ومتحف فيلد في شيكاغو، رحلة استكشافية أثرية طموحة مماثلة إلى كيش. لكن الغريب أن قائد بعثة كيش ، البروفيسور ستيفن لانغدون، لم يسافر أبدا إلى الشرق الأوسط، ولم يسبق أن قام بأعمال تنقيب. فلا عجب اذن أن المشروع فشل فشلا ذريعا.
على سبيل المثال، يلخص الصورة 2 كل ما نعرفه عما يجب أن يكون اكتشافا مهما حقا للألواح المسمارية البابلية الجديدة بين عامي 1923 و 1926. لكن لانغدون لم يضع أي خطة أثرية، بل اكتفى برسم خارطة تخطيطية سيئة للموقع بأكمله، وصورة تظهر موقعه التقريبي عل تل W.
في السبعينيات، حاول روجر موري تلخيص ما يعتقد ان الحفارين وجدوه بكل تأكيد، ثم قمت أنا، منذ حوالي 20 عاما بتجميع قائمة تضم حوالي 60 لوحا في متحف أشموليان ربما جاءت من هذه المكتبة (Moorey 1978; Robson 2004). ولكن الكثير من المعلومات حول هذا الموقع الأثري الضخم والمهم ضاعت، بسبب ممارسات التسجيل التي كانت غير كافية للغاية، حتى وفقا لمعايير ذلك الوقت.
تصف رسالة [https://gertrudebell.ncl.ac.uk/l/gb-1-1-2-1-20-11] من المديرة الفخرية للآثارالعراقية، غيرترود بيل، إلى والدها في عام 1926، كيف قامت هي والبروفيسور لانغدون بتقاسم اكتشافات كيش بينهما (الصورة 3). وقررت بيل أن جميع الألواح المسمارية يجب أن تذهب إلى أكسفورد، التي كانت جامعتها، وأن المتحف العراقي الجديد في حينها، والذي كان في الأساس ملكا لها أيضا، يجب أن يحصل على بعض القطع الأثرية الجميلة. ولكن كما توضح الرسالة ، كانت حريصة على التأكد من أن أكسفورد ، في هذه الحالة أيضا ، ستحصل على أفضل صفقة.
في المجموع ، غادر حوالي 3000 لوح من كيش (الصورة 4). وتشمل الوثائق الإدارية والسجلات القانونية والرسائل من جميع الفترات ، والأعمال الفريدة للأدب السومري البابلي القديم ، وبعض أهم نماذج المنح الدراسية البابلية القياسية ، بما في ذلك الفصل الأول من ملحمة الخلق. وتم نشر معظمها بشكل أو بآخر، وكلها تقريبا باللغة الإنجليزية أو الفرنسية ، لكن لم يحاول أحد كتابة تاريخ شامل معهم.
ومع ذلك ، كما يوضح الصورة 5 ، بدأ فقدان الألواح المسمارية من كيش في وقت أبكر بكثير من فترة الانتداب.
فوفقا للبيانات التي تم جمعها من قاعدة بيانات مبادرة المكتبة الرقمية المسمارية - وهي بالضرورة فوضوية وغير مكتملة - تم استخراج ما لا يقل عن 340 لوحا من الموقع في أوائل القرن العشرين وبيعها إلى متاحف أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية.
واكتشفت قد البعثة الفرنسية لعام 1912 حوالي 1200 لوحا آخر، ذهب معظمها إلى المتحف الأثري العثماني في اسطنبول. حيث تم فهرستها ونشرها بشكل منهجي على الأقل، وإن كان ذلك بشكل بدائي، في أوائل عشرينيات القرن العشرين (Genouillac 1924-25).
وعثرت بعثة متحف أكسفورد فيلد على ضعف هذا العدد من الألواح، وأخذتها إلى أكسفورد. وصحيح أن متحف أشموليان أعاد القليل منها إلى المتحف العراقي في أوائل الثمانينيات، الا أن الألواح التي أعيدت كلها أجزاء من تمارين المدرسة الكتابية الابتدائية، ولربما أعيدت لان مسؤولي المتحف في أكسفورد اعتبروها أقل القطع التاريخية إثارة للاهتمام. ولم ينشر متحف أشموليان شيئا عن الألواح التي بحوزته من كيش بشكل منهجي، على الرغم من أن معظمها ظهر على مر السنين في سلسلة إصدارات أكسفورد عن النصوص المسمارية.
على مدى نصف القرن الماضي، كانت هناك عدة محاولات لاستعادة المعرفة الأثرية المفقودة لبعثة أكسفورد عن كيش. ففي السبعينيات ، حاول جيبسون ماجواير من شيكاغو وروجر موري من أكسفورد تجميع الأدلة الأثرية، كما ركز فيديريكو زاينة من إيطاليا مؤخرا على فترة كيش الألفية الثالثة ، لكن أحدا من هؤلاء لم يتناول الألواح كثيرا (Zaina 2015; 2020).
ثم في أوائل عام 2000 ، تعاون كل من متحف فيلد ومتحف أشموليان على اعداد قاعدة بيانات رقمية لحفريات بعثة أكسفورد فيلد [/kish/fieldmus/index.html]، قبل عقد من المشروع الرقمي المماثل عن أور. لكن قاعدة البيانات هذه اختفت من الإنترنت منذ نحو عقد من الزمان (وقد أحيناها هنا). في الآونة الأخيرة ، نشر نفس المشروع كتابا متاحا على الانترنت عن كيش ، كله باللغة الإنجليزية وبالكاد يذكر الألواح (Wilson and Bekken 2023).
في غضون ذلك ، عكفنا نحن في شبكة النهرين [https://nahreinnetwork.org] مع برنامج اوراك Oracc على تأسيس موقع رقمي متعدد اللغات عن ألواح كيش المسمارية. والهدف ليس فقط جعل الأدلة النصية من كيش أكثر اتاحة وفي مكان واحد، بل وقمنا أيضا بإعادة برمجة Oracc حتى يتمكن علماء الآشوريات الناطقون باللغة العربية من استخدامه لكتابة نصوص خاصة بهم بالخط النص المسماري، من أي موقع. كما ويمكن للمستخدمين الناطقين باللغة العربية قراءة الترجمات بلغتهم، من على شاشات صغيرة مثل أجهزة الجوال. هذا بالإضافة الى تطبيق بحث جديد يتيح لمستخدميه العثور على ما يريدون من المواد باستخدام موقع أوراك كله.
كما تجسد دراسة الحالة هذه عن كيش، فقد فقدت المعرفة الأثرية والتاريخية من العراق بطرق متعددة. والنتيجة هي فوضى: اذ كيف يمكن للهيئة العامة للآثار والتراث العراقية الاعتناء بموقع أثري بشكل صحيح ، وجعله ذا مغزى للزوار، ان لم يكن لدى موظفيه إمكانية الوصول الكامل إلى المعرفة التي أنتجها الباحثون الدوليون عنه؟
لذلك أزعم أن إعادة المعرفة إلى الوطن هي دائما فكرة صائبة، سواء لمرافقة القطع الأثرية والنصية التي أعيدت وتعاد، أو في الحالات التي لا يكون فيها إعادة القطع الأثرية عمليا أو مناسبا.
ومع ذلك ، كما تظهر حالة كيش، ليس من السهل دائما القيام بذلك فقد فقدت بعض المعرفة إلى الأبد، بسبب ممارسات التوثيق الأثري السيئة، ولن يتم استردادها أبدا. في الوقت الذي تفشل التقنيات القديمة، مثل قاعدة بيانات كيش التي يبلغ عمرها 20 عاما، إذا لم يتم استثمار الأموال والموارد في صيانتها.
حتى المواد الباقية نادرا ما تكون باللغة العربية، اذ يستذكر جميع خبراء التراث العراقيين الحالات التي تم فيها تقديم بيانات بصيغ غير قابلة للاستخدام، أو كتب باللغة الإنجليزية أو الألمانية التقنية للغاية التي يصعب قراءتها. ونادرا ما يكون لهم رأي في ابداء ما يحتاجون إليه.
ي نهاية المطاف، آمل أن نتمكن جميعا من العمل لتحقيق الهدف نفسه، الا وهو إعادة تركيز الخبرات العراقية في خلق معرفة جديدة عن الماضي العريق لهذا البلد الرائع. هذا هو الهدف النهائي لشبكة النهرين، لكن لا يمكننا القيام بذلك بمفردنا. نحن بحاجة إلى تغيير عقول وأولويات وممارسات قادة وممولي أكبر عدد ممكن من المشاريع الدولية. وسيستغرق ذلك وقتا، والكثير من الصبر والدبلوماسية. وآمل أيضا أن يشعر الخبراء العراقيون بأنهم قادرون ، بشكل متزايد ، على توضيح أولوياتهم بخصوص اعادة المعرفة إلى الوطن، سواء لعملهم أو للبلد ككل. وآمل أن نتمكن معا من إحداث فرق إيجابي.
16 Oct 2025
ألينور روبسون
ألينور روبسون, 'إعادة المعرفة إلى الوطن والتراث المكتوب للعراق القديم', مدينة كيش المنسية, مشروع مدينة كيش المنسية, 2025 [http://oracc.org//ieadat-almaerifa/]